نهاية العشاق
وصلت أخيراٌ وحطت الطائرة على الأرض بسلام حينها فقط تنفست الصعداء وأنا أخرج من الطائرة مودعاُ سنوات الغربة الطويلة.
تسع سنوات مضت منذ أن فارقت أرض الوطن كنت في الخامسة عشر حين فارقت البلاد مع عائلتي و ها قد عدت أخيراُ, أخذت أسترجع أخر اللحظات اللتي مرت علي هنا حين دب الخلاف بين والدي والعائلة وذلك لأسباب تافهة ما عدت أذكرها فهاجر من البلاد ملئوه الغضب على إخوته حتى أستقر به المقام بعيداٌ كل البعد عن أي قريب لنا.
استقرت عائلتي في بلاد الغربة و تأقلمت مع الأوضاع هناك حتى صاروا من أهل ذلك البلد و ربما استطاعوا أن يفعلوا ذلك لكن ليس أنا أي نعم جسمي كان هناك لكن عقلي و فلبي ما زالوا هنا في الأسر عند أرق و أعذب و أجمل سجانة عرفتها الدنيا فلقد وقعت في حبها مذ وقعت عيناي على وجهها الملائكي. لقد أحببتها طوال عمري . إنها ابنة عمي و رفيقة الطفولة لقد تعاهدنا على الحب منذ الصغر وها قد عدت أخيراٌ لإكمال مسيرة الحب اللتي لم تنقطع قط.
لم أطق الانتظار حتى أراها مرة أخرى وكان هنالك في الطريق ازدحام لا يطاق فأمرت السائق بأن يتوقف, صرت أمشي إليها و أحث المسير حتى اقتربت من منزل عمي و أخذت الأفكار تتلاطم في بحر العواطف المتأججة قي داخلي حتى كدت أن أفقد عقلي من شدة الشوق و الوله, وقفت عند الباب و انتظرت قليلاٌ لألتقط أنفاسي قبل أن أرن جرس الباب و ما هي إلا لحظات حتى ردت علي امرأة بسؤالها: من الطارق, عرفتها على الفور إنها محبوبتي بلا شك فأجبت بصوت خائف مرتعش: أنا غريب عن هذه الديار و قد ضللت الطريق فهل لي بشربة ماء تعينني لكي أواصل الطريق, فأجابتني بكل عطف و مودة: بكل سرور أنتظر قليلاُ, و ما هي إلا لحظات حتى سمعت صوت أقدام قادمة نحو الباب فُتح الباب بكل هدوء و إذا بتلك الحورية قد خرجت و على وجهها ابتسامة تبرئ القلب العليل ألقت علي نظرة واحدة و إذا بها تلقي كأس الماء من يدها و هوت معه إلى الأرض, التقطتها بين ذراعي قبل أن تقع على الأرض و ضممتها إلى صدري بكل ما أوتيت من قوة حتى أحسست بدفء ملأ فؤادي وجوارحي.
حملتها إلى داخل المنزل و مددتها على الأريكة و جلست على الأرض بجانبها واضعاٌ كفها بين يدي و جلست أتأمل صفحات وجهها راسما لها صورة لا يمكن أن تمحى من ذاكرتي أبدا. عندها أحسست بيدها تضغط على يدي برفق و فتحت عيناها بدمعة ساكبة, وضعت يدها على خدي أتحسس نعومتها ثم نظرت إلي قليلا و بدأت تهمس لي بنبرة يعتصرها الألم: يا خائن العهد, يا مجرم أهكذا تفعل بأحبائك أتعذبهم هكذا؟ ألم تقل لي بأنك ستحمل حبك لي إلى القبر,,,, قاطعتها قائلاٌ: حبك لم يمت لحظة في قلبي أنت لا تعرفين عِظم المعاناة اللتي اضطررت على تحملها طوال هذه السنين بعيداً عنك ولكن ها قد عدت أخيراُ ولا يوجد في العالم أي قوة تستطيع أخذك مني مرة أخرى فهل تستطيعين أن تبدئي معي صفحة جديدة نكتب فيها أحلى قصص الحب و الهيام فأنا بدونك جسد بلا روح, ترقرقت الدموع من عينيها وضمتني إلى صدرها قائلة: من الأفضل لك أن تصدق القول هذه المرة فربما لا تجد قلباُ مسامحاُ مرة أخرى.
و بينما نحن على هذا الحال و إذا بعمي يدخل من الباب, ما أن رآنا حتى انهال علينا بالضرب و الشتم و هو في خالة هستيرية من شدة الغضب أخذني بعدها إلى غرفة أخرى و حبسني فيها, حاولت أن أخبره بأنني ابن أخيه لكن الفرصة لم تواتني لذلك, و ما هي إلا لحظات حتى أتى رجال الشرطة و اقتادوني إلى السجن مكبلاُ بالسلاسل.
جلست أحدق في سقف الزنزانة و ملايين الأسئلة الصغيرة تتلاعب في مخيلتي, يا ترى ما ذا تفعل محبوبتي الآن؟ هل آذاها؟ يا إلهي ماذا فعلت بها, كل ما حصل بسببي, و بينما أنا على هذا الحال إذا بصرير باب الزنزانة العالي يوقظني من تخيلاتي, لم أستطع رؤية الرجل اللذي دخل بسبب شدة الضوء المحيط به, حققت النظر وإذا به عمي و قد تطاير الشرار من عينيه فأخذ يصرخ قائلاُ: اسمع يا فتى لقد علمت أنك ابن أخي ولهذا فإنني سأفرج عنك هذه المرة فقط ولكن إن رأيت وجهك قرب بيتي مرة اخرى فسأقتلك بيدي و لن أبالي بقرابة ولا رحم, هل سمعت؟ ثم خرج صافعاُ الباب خلقه وأنا مشدوه مما رأيت و سمعت.
هل هو مجنون, قلت في نفسي هل يدرك أنه بقراره هذا قد قتلني شر قتلة. بعد هذه الحادثة بدأت بالبحث عن عمل و بعد عناء وبحث طويل استقر بي الحال بالعمل قي أحد المصانع القريبة و استأجرت شقة متواضعة, كل هذا كان محاولة مني لكسب ثقة عمي ليراني رجلاٌ أهلا بالزواج من ابنته لكن دون جدوى فعمي قاسي القلب لا ينسى بسهولة فلقد رد طلبي للزواج من ابنته و لم تنفع الوسائط و كل محولات الاسترضاء باءت بالفشل حتى كدت أن أفقد الأمل و يئست من المحاولة الفاشلة تلو المحاولة حتى نفذت أوراقي ولم يبقى لدي أمل يرتجى.
كنت أقابل ابنة عمي في الخفاء و كنت في غاية الحذر من أن يُكشف أمرنا, كنت الاقيها على أحد الجسور في ضواحي المدينة و كنت أنتظرها كل ليلة على أمل أن أراها. فجأة و من دون سابق إنذار انقطعت عني فترة طويلة حتى بدأت أقلق عليها من حدوث مكروه لها و بدأت الوساوس تسيطر علي ربما تكون طريحة الفراش و أن يكون عمي قد أكتشف لقاءاتنا فحبسا في المنزل, بدأت أتقصى الأخبار حتى ورد على مسامعي أنه قد تمت خطبتها على أحد الأثرياء فلقد رماها عمي على أول من طرق بابه ليتخلص من همها و حرص على أن يتم الزواج بأسرع وقت ممكن. عندها طار عقلي لا يمكن أن يحدث هذا الأمر حتى و لو كلفني منع هذا الزواج حياتي قلم أعد أبالي بعد الآن.
لا أعرف ماذا جرى لي فمنذ أن سمعت هذا الخبر و أنا أهيم في الشوارع كالمجنون تركت الطعام و جفاني النوم. لكن كل هذا لم يغير من واقع أن حفل الزفاف غدا,ً أنفك عقلي و أنا أبحث عن حل لهذه المشكلة العويصة لكن دون جدوى, جلست تلك ألليله أبكي من القهر فأمسكت قلمي و بدأت اكتب لابنة عمي ((كم تمنيت أن أكون بجانبك في هذه الليلة فلطالما حلمت و تمنيت هذا لكنني لا أعتقد بأن هذا سيحدث في هذه الحياة فلربما نكون معاً في جنة العشاق فيوم زواجك بغيري هو آخر يوم في حياتي).
أرسلت تلك الرسالة لها و وقفت على الجسر الذي كنت ألاقي فيه حبيبتي منتظراً ساعة الصفر فما هي إلا ساعات قليلة حتى تبدأ مراسيم الزفاف, لم يطل انتظاري فما هي إلا لحظات حتى لاح إلي شبح من بعيد حققت النظر و إذا بها ابنة عمي تتهادى في ثوب عرسها الأبيض, لم أحس إلا و رجلاي تسبقان روحي إليها, تعانقت أرواحنا قبل الأجساد في تلك الليلة.
لقد هربت ابنة عمي من زفافها و هي تمسك رسالتي بيد و ثوبها الطويل بيدها الأخرى, بقينا نحدق في أعين بعضنا البعض لدقائق حتى بدأت الحديث بقولي: سيجدوننا أينما ذهبنا فاستطردت قائلة: لا يهمني حتى لو عشت في باطن الصحراء باقي سنين عمري ما دمت معي, ما أن هممنا بالرحيل حتى بدأت تقترب من مسامعنا أصوات سيارات الشرطة فالتفتت إلي مستبشرة و هي تقول: لدي فكرة رائعة اتبعني, و ما هي إلا دقائق حني أحاط بنا رجال الشرطة من كل جانب تقدمهم عمي و هو يصرخ: ماذا تفعلين على حافة الجسر مع هذا الوغد ارجعي إلى هنا حالاً, ردت عليه: لا يا أبي, أُفضل الموت معه على الحياة بدونه, لن أرجع حتى توافق على زواجنا, أستمر جدالهما هكذا حتى رضخ للأمر الواقع و نزلنا من حافة الجسر يعلو محيانا الابتهاج و السرور بموافقة عمي, ما إن ابتعدنا من الحافة قليلاً حتى سمعت صوت إطلاق النار تجاهي, طاخ طاخ طاخ طارت محبوبتي أمامي كالحمامة البيضاء لينهال وابل الرصاص على جسدها النحيل و ما إن أنقشع دخان البارود حتى رأيتها ملقاة على الأرض في بركة من الدماء عندها أحسست بروحي و هي تخرج من جسدي بلا مقاومة ولا الم و شاهدت جسدي و هو يهوي من فوق الجسر, بقيت روحي معلقة فوق جسدها لا أعرف أين ذهبت لألحق بها, و رغم هذاً فلم أكن مستاءً لمعرفتي بأن فرص التقائنا هنا أفضل من فرصنا على الأرض و أن لدي كل الوقت لأبحث عنها لنعيش معاً إلى الأبد.
النهاية